هل يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها الحكومي بعد استقالة وزير الدفاع «جيم ماتيس» مع بداية العام الجديد؟ سؤال جيد، لكن هناك سؤالاً أفضل: ماذا تعني استقالته بشأن سلامة نظامنا السياسي، الذي اعتمد بدرجة كبيرة على تولي جنرال متقاعد حديثاً من قوات البحرية الأميركية الإشراف على الجيش.. جنرال تمكن من العمل كوزير في المقام الأول لأن الكونجرس أعفاه من أحكام قانون عام 1947 المعروف بـ«قانون الأمن القومي»؟ ومن الواضح أن حدود سلطة خوض الحرب بين الفرعين التشريعي والتنفيذي، وبين الجندي والحكومة، لم تتطور مثلما تصورها الآباء المؤسسون تماماً. وقد بدأ ذلك التشابك والتداخل قبل فترة طويلة من تولي الرئيس دونالد ترامب، ويبدو على الأرجح أن الوضع سيتدهور. فبموجب الدستور، للكونجرس سلطة إعلان الحرب، وتمويل القوات المسلحة، ووضع القواعد التي يعمل الجيش بموجبها. والرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولديه السلطة الأساسية لتولي المهام الدبلوماسية اليومية. ومن الناحية العملية، كانت نتيجة هذا التقسيم للعمل مجدية وإن لم تكن كاملة، حتى في بداية الجمهورية، غير أنه كان هناك دائماً وضوح بشأن هدفيه المتمثلين في حكم القانون والإدارة المدنية للجيش.
لكن صعود الولايات المتحدة على الساحة العالمية في القرن العشرين حوّل السلطة من الكونجرس إلى الرئيس، ومن خلاله، إلى فيالق الضباط العسكريين. وبعد حرب فيتنام، أضاف الكونجرس قيوداً قانونية من خلال «قانون سلطات الحرب» لعام 1973، لكن ثبت ضعف هذه القيود نسبياً. فالرئيس الراحل بوش الأب وجورج بوش الابن سعيا وحصلا على موافقة الكونجرس لخوض حروب في الشرق الأوسط، بينما أنكرا أنهما في حاجة حقيقةً إلى هذه الموافقة. وفي عام 1999، أبقى الرئيس كلينتون على المقاتلات الأميركية في المعارك فوق البلقان رغم فشل التصويت على التفويض في مجلس النواب الذي كان يهيمن عليه «الجمهوريون». وقد أرسل الرئيس أوباما القوات الأميركية لمحاربة تنظيم «داعش» في سوريا استناداً إلى تفسير مبتكر للسلطة التي منحها الكونجرس للرئيس بوش الابن لمواجهة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان (وفي أماكن أخرى) في عام 2001.
ولا يزال هذا الشيك «شبه المفتوح» في دفتر الشيكات، على رغم من محاولات بعض المشرعين من حين إلى آخر تحديثه، أو بمعنى أدق تقييده!
ومن المفارقة أن إخفاق الجهود التشريعية الرامية إلى تقييد التفويض الرئاسي في الحرب على الإرهاب التي شارفت على إكمال عامها الثامن عشر هي من تركت الكونجرس في حاجة إلى «ماتيس» من أجل الوقوف بين القوات وميول الرئيس الجديد القادم من خارج التيار السياسي من دون خبرات حكومية سابقة. وقد أراد المشرعون بشدة أن يصبح الجنرال رئيساً بحكم الأمر الواقع لشؤون الجيش، لدرجة أنهم أعفوه من حظر قانون الأمن القومي على الضباط السابقين الذين يخدمون في منصب وزير الدفاع حتى يمرّ سبع سنوات على الأقل على تقاعدهم.
وقد كانت التوقعات أن «ماتيس» قد يتصادم مع ترامب بشأن اندفاع الأخير صوب شن الحروب، لكن لم يتخيل أحد أن استقالة الوزير ستكون بسبب محاولة الرئيس إعادة القوات إلى الوطن من حرب غير معلنة.
وقد حدث ذلك عندما نال الرئيس الذي يرفع شعار «أميركا أولاً» السيطرة على المؤسسة العسكرية الناتجة عن الحرب الباردة، والتي كانت مصممة ليديرها المتجاوزون للقومية إلى العالمية.
ويبدو أن منتقدي ترامب في «البيت الأبيض» قد أربكهم أمره بالانسحاب بدرجة أنستهم أن الكونجرس يمكنه إعلان الحرب على تنظيم «داعش» في سوريا غداً، ولا يجرؤ ترامب على الاعتراض!
وليس عليكم أن تفكروا ما إذا كان ترامب اتخذ قراراً صحيحاً بشأن سوريا وبالأسلوب الصحيح أم لا، للإقرار بأنه كان لديه الحق في فعل ذلك، أو لتتساءلوا أي الدلالتين على وجود خلل سياسي يدعو للأسف بدرجة أكبر: حقيقة أن الرئيس تحدى نصيحة جنرالاته أم أن هناك أموراً كثيرة معلّقة على افتراض أنه لم يتحداها! وبالطبع، إن المخاوف من التهور في غياب حنكة «ماتيس» في محلها، وكذلك الاحتجاجات ضد استغلال القوات الأميركية في العراق كخلفية للتصريحات الغاضبة ضد «الديمقراطيين».
 
تشارلز لين
كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»